-[size=18] انطلاقا من الاهتمام بقضية الأمن القومي المصري خاصة في ظل المرحلة المصيرية الحرجة في تطور العلاقات الدولية، حيث تتصاعد التحديات وتتعاظم الأخطار التي تتعدد مصادرها وتتشابك مع بعضها بعضا، نظَّم المجلس الأعلى للثقافة برعاية لجنة العلوم السياسية ندوة بعنوان 'الأمن القومي المصري.
- وقد خُصصت جلسات اليوم الأول لمناقشة الأبعاد الداخلية للأمن القومي المصري في إطار ثلاث جلسات؛ الجلسة الأولي ناقشت البعد الديموجرافي والاقتصادي للأمن القومي المصري؛ وقد شارك فيها مجموعة من الأساتذة والمتخصصين كلٍ في مجاله؛ فقد تحدث الأستاذ الدكتور/ حسين عبد العزيز عن البعد الديموجرافي للأمن القومي المصري؛ حيث أوضح أهمية البعد الديموجرافي في الأمن القومي لأي دولة وأن هذا العنصر لم يكن حديثا ولكنه قديم ولكن كان الاهتمام قديما بعنصر الكم –أي حجم السكان- فكلما زاد عدد السكان، كان ذلك مؤشرا لقوة الدولة، ثم إدراك العلاقات التفاعلية بين السكان والمتغيرات الاقتصادية. إلا أنه منذ السبعينيات نتيجة بعض التحركات السكانية في العالم، تم التعامل بصورة أكثر ديناميكية، حيث عقد أول مؤتمر دولي للسكان في بوخارست في 1974 حيث تحدَّث عن الزيادات السكانية غير المنضبطة.
ثم أوضح لنا الوضع السكاني في مصر والذي مرَّ بثلاث مراحل؛ المرحلة الأولي وهي منذ ثورة يوليو 1952 حتى الستينيات، وهنا أشار إلى حديث شهير للرئيس الراحل 'جمال عبد الناصر' والذي أكد فيه أهمية الزيادة السكانية لأن ذلك يعتبر مؤشرا لقوتنا الإقليمية، لكن موقف الرئيس الراحل' جمال عبد الناصر' نفسه تغير في نهاية هذه الفترة وتبلور ذلك في ميثاق العمل الوطني لعام 1962 وما قاله من أن الزيادة السكانية مع معدلات النمو السكاني المتزايدة هي أكبر عائق من عوائق التنمية. أما المرحلة الثانية، فقد بدأت منذ الستينيات حتى عام 1975 وهذه المرحلة هي مرحلة العلاقات التفاعلية بين السكان والمتغيرات الاقتصادية وهنا انتقلت مصر من مرحلة النظر إلى المتغيرات بصورة مستقلة إلى أن تكون المتغيرات عنصرا فاعلا، وأخيراً المرحلة الثالثة فهي بصورة غير مباشرة بدأت منذ 1975 ومستمرة حتى الآن حيث تم الاهتمام بوضع السكان وتوزيع السكان وهنا أشار إلى وجود 2% فقط من السكان في خمس محافظات في الجنوب والباقي متركز في الشريط الضيق الذي يمثل (5-8%) من مساحة مصر.
وفي النهاية أكد أن العبرة ليست فقط في الحجم ولكن بتوزيع هذا الحجم على الفئات العمرية المختلفة. فطبقا لتقديرات الأمم المتحدة لعدد السكان فمن المتوقع عام 2025 أن يصل عدد السكان في مصر إلى 99 مليون نسمة بالفرض المتوسط، و104 ملايين نسمة بالفرض المرتفع. أما في عام 2050 لو استمر الوضع على ما هو عليه، فسنصل إلى 121 مليون نسمة، مما يمثل عبئا على الأمن القومي المصري الذي يتطلب مجهودات كبيرة ً لمحاولة استيعاب الزيادات السكانية القادمة.
ثم استكمل الصورة الأستاذ الدكتور/ ماجد عثمان بالتحدث عن البعد الإقليمي على اعتبار أن ما يحدث داخل مصر لا يمكن فصله عما يحدث خارجه حتى في البعد السكاني. وقد ألقى نظرة سريعة على التطور الحادث للسكان في العالم. فمنذ عام 1950 حتى عام 2050 أي قرابة مائة عام ستحدث زيادة في حجم السكان في العالم من نحو 9 مليارات نسمة عام 2050، مقارنة بـ 2.5 مليار نسمة عام 1950. ولكن من المتوقع حدوث نوع من الثبات بعد ذلك ولكن من المتوقع أن تكون معدلات الزيادة السكانية في العالم المتقدم أقل من العالم النامي، ثم عرض قائمة لأكبر عشر دول من حيث عدد السكان في عام 1950 (الصين – الهند - الولايات المتحدة الأمريكية – روسيا – اليابان – اندونيسيا – ألمانيا – البرازيل - المملكة المتحدة - ايطاليا).
لكن بحلول عام 2050، سوف تضم هذه القائمة فقط ثلاث دول من الدول التي تعد من أكبر عشر دول سكانياً منذ عام 1950وسوف تنضم دول جديدة معظمها دول نامية. ثم انتقل إلى إقليم الشرق الأوسط ليوضح نموذجا لثلاث دول متساوية حالياً في عدد السكان وهى (تركيا – مصر - إيران) ولكن التوقعات المستقبلية تشير إلى حدوث تباين بشكل كبير جداً على مدي الخمسين عاما القادمة. فمصر من المتوقع أن يصل عدد سكانها عام 2050 إلى حوالي 126 مليونا وفي المقابل ستصل إيران إلى 103 ملايين نسمة في حين ستصل تركيا إلى 90 مليون نسمة. ثم أوضح مثالاً على الوضع السكاني في كل من إسرائيل وفلسطين وتأثيره على معادلة القوة وقدرته على حسم الصراع السياسي في المستقبل. وخلُصَ إلى أن السلاح الديموجرافي ليس من الضروري أن يحسم الصراع بشكل إيجابي لاسيما في ظل الأوضاع الفلسطينية المتردية في مجالي التعليم والصحة.
ثم تحدث الأستاذ الدكتور/ طه عبد العليم عن البعد الاقتصادي والتنموي وأثره على الأمن القومي المصري وذلك في إطار أربع نقاط هي: محاولة تحليل الثابت والمتغير في مفهوم الأمن الاقتصادي القومي، النقطة الثانية تتعلق بالعام العالمي والخاص المحلي ومصادر تهديد الأمن الاقتصادي القومي، وإعادة صياغة مفهوم الأمن الاقتصادي القومي، ثم محاولة صياغة خمسة محاور أساسية في استراتيجية الأمن الاقتصادي القومي المصري. وقد ركز على هذه النقطة حيث تحدث عن خمسة محاور أساسية في تقديره للأمن الاقتصادي القومي المصري الأول يتعلق بالتصنيع والتقدم التكنولوجي، والثانى يتمثل فى مواجهة مخاطر فجوات الموارد الطبيعية والمتمثلة في أمن الطاقة وأمن المياه فضلاً عن أمن الغذاء، والمحور الثالث يتصل بشكل عام بمضاعفة العائد الأمني للإنفاق الدفاعي، أما المحور الرابع فيتصل بحماية البيئة والمتغيرات المناخية العالمية والمخاطر المرتبطة بتآكل الدلتا، وأخيراً، تقليل مخاطر نقص المعرفة-فجوة المعرفة وأولوية الإنفاق على البحث العلمي والتكنولوجي- حيث تنفق مصر حوالي 0.7% من ناتجها المحلي على البحث العلمي والتكنولوجي في حين تنفق إسرائيل 4.3% من ناتجها على البحث العلمي والتكنولوجي. وقد أكد ضرورة توفير مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح فهي مصادر لا تنضب ونظيفة الاستخدام.
ومن وجهة نظره يتلخص الحل في التصنيع والتعليم وحكومة تنطلق من التفكير في المصلحة الوطنية لتحقيق الأمن الاقتصادي القومي المصري.
أما الجلسة الثانية، فقد ناقش المشاركون فيها البعد الاجتماعي للأمن القومي المصري، وهنا تحدث الأستاذ الدكتور/ علي ليلة عن الأمن الاجتماعي وقد عرفه بأنه الحالة التي تشير إلى تماسك المجتمع وقدرته على مواجهة مشكلاته الداخلية والخارجية التي تواجهه. ثم أوضح مجموعة من القضايا التي تهدد الأمن الاجتماعي القومي المصري وتتمثل في:
1- تهتك النسيج الاجتماعي مما يهدد أمنه الاجتماعي القومي، حيث نلاحظ أوضاع المجتمع المصري ومعاناته من ضعف الثقافة نتيجة التحولات التي تضعف ثقافة المجتمع، والتدخلات الخارجية في الثقافة العربية والمصرية، وانخفاض مستويات العمل التطوعي.
2- اتساع قضية التهميش الاجتماعي، حيث تتعدد أنماط التهميش فيوجد تهميش إيكولوجي ويتمثل في وجود العشوائيات في مصر حيث يوجد حوالي1034 منطقة عشوائية في مصر، 60% من هذه العشوائيات تحيط المدن من الخارج، أيضا التهميش الاجتماعي ويتمثل فى عدم حصول العديد من المواطنين في بعض المناطق على فرصهم الحقيقية، ويوجد ما يسمي بالتهميش الفردي وهو عدم مشاركة المواطنين في الحياة السياسية فمشاركتهم تكون نفعية بصورة بحتة.
3- أوضاع الطبقة الوسطى؛ حيث إن الطبقة الوسطى هي قمة الميزان وحافظة التوازن الاجتماعي إذا صلُحَت صلحت أخلاق المجتمع والعكس صحيح، وهنا أرجع أزمة الطبقة الوسطى الحالية إلى ثلاثة أسباب هي، حالة الاسترخاء التي عاشتها الطبقة الوسطى في مرحلة الاشتراكية، وانحراف الطبقة المتوسطة بشكل أساسي، والظروف الاقتصادية الضاغطة على الطبقة المتوسطة التى أدت إلى ترفيع الطبقة الوسطى بالمفهوم الماركسي Thinning of the Class
4- حالة المدينة العربية، حيث إنها بأوضاعها الحالية تعيش حالة مهددة للأمن.
وعن تأثير ذلك على الأمن القومي المصري بصفة عامة؛ فإن ذلك سيؤدي إلى انخفاض معدلات الإنتاج، وانتشار عنف العامة، وارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية في المجتمع.
ثم ناقشت الجلسة الثالثة والأخيرة في اليوم الأول البعد السياسي والإداري للأمن القومي المصري وذلك بمشاركة الأستاذ الدكتور/ إكرام بدر الدين حيث تحدث عن البعد السياسي للأمن القومي المصري، وهنا بين لنا أن الأمن القومي هو كل ما يتعلق بالمصالح العليا لمصر وأمنها واستقرارها وقدرتها على مواجهة التهديدات الخارجية، وتداخل الأبعاد الداخلية والإقليمية والدولية.
فعلى المستوى الداخلي يوجد عدد من المتغيرات المؤثرة فيه مثل الشرعية والمشاركة والأمن الإنساني. وأكد ضرورة وجود طريقة يرضى عنها المواطنون لتداول السلطة بطريقة سلمية كما أكد أهمية المشاركة السياسية حيث إن ارتفاع درجة السلبية في المشاركة السياسية سيؤدي بطبيعة الحال إلى العنف السياسي.
كما أشار إلى أنه رغم وجود سلام بين مصر وإسرائيل لكننا لا نستطيع أن نؤكد أن التحديات التي تمثلها قضية فلسطين قد انتهت فالشكل العسكري هو الذي انتهى لكن التحديات الاقتصادية والاجتماعية مازالت موجودة حتى الآن. وعن العوامل الدولية وتأثيرها على الأمن القومي المصري فتتمثل في: تدخل المجتمع الدولي في تمكّين المرأة، وأن المنطقة ممتلئة بالتواجد العسكري الأمريكي حيث العراق وفلسطين فضلاً عن وجود قواعد عسكرية وأساطيل بحرية في دول الخليج العربية، هذا فضلاً عن تأجيج السياسة الدولية للصراعات الطائفية والمعارضة والمحرضة على الانفصال. وفي النهاية بين ضرورة وضع سياسة جديدة للتعامل مع الولايات المتحدة الأمريكية مثلما حدث مع الرئيس الراحل 'محمد أنور السادات' فيما سماه بـ 'وقفة موضوعية مع الصديق' دون أن يخل ذلك بالعلاقة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.
ثم تحدّث الأستاذ الدكتور/ أحمد صقر عاشور عن البعد الإداري في الأمن القومي المصري. فقد بين أهمية تغيير النظام كما أكد ضرورة الحكم على المؤسسات بمعياري الكفاءة والتكلفة، وأوضح أن من نواتج الخلل المؤسسي: تراجع الدور الإقليمي لمصر، وزيادة الفجوة في التنمية الاقتصادية بين مصر والدول الأخرى في المنطقة، ووضوح ظاهرة الإقصاء والاستبعاد السياسي والاجتماعي والاحتقان بين الطبقات في الشعب المصري، والاغتراب الاجتماعي وتعاظم قوى الطرد عكسا تجاه الوطن والمواطنة، وسيادة حالة من الفوضى السلوكية العارمة وتجاهل الضبط، وتقلص قاعدة الإنتاج الحقيقي وزيادة نزعات التربح دون تعب، وأخيراً؛ تفاقم مشكلات التنمية وعدم قدرة المجتمع على التنمية.
ولذلك تحدّث عن ضرورة توافر تسعة مقومات أساسية للإصلاح المؤسسي هى: وجود رؤية لتحقيق الأهداف المطلوبة، والحوكمة الجديدة وتوازن السلطة ونمط توزيع السلطة واللامركزية وهيكل المشاركة والحساب والشفافية، والمشاركة المعرفية وإتاحة المعلومات بين المؤسسات وبعضها بعضا، والتعلم المؤسسي الجمعي وتقييم الخبرة والممارسة، ووجود قيادات فعَّالة قادرة على تنمية الكيانات المؤسسية وتحقيق انجازات، والمرونة المؤسسية فيجب التحرك السريع والإنذار المبكر، والنمط الإداري والعمل الجماعي والمشاركة في القرار وسرعة التحرك والإبداع، والثقافة المؤسسية التي تتمثل في المفاهيم والاتجاهات السائدة في المجتمع، والدعم والتضافر المجتمعي والضوابط التي تستخدمها المؤسسات في قيم وثقافة المجتمع نفسه.
وأخيراً تحدَّث عن الإصلاح المؤسسي المطلوب للحفاظ على الأمن القومي في ست نقاط وهى: بلورة رؤية واضحة للأهداف الوطنية تشارك فيها كل فئات المجتمع، وإصلاح سياسي لتحقيق حوكمة جديدة، وإصلاح تشريعي مع وجود أدوات للتنفيذ، إصلاح اقتصادي لتحقيق التنمية، إصلاح حكومي إداري، وإصلاح ثقافي لحماية الأمن القومي المصري.
أما جلسات اليوم الثاني فقد خُصصت لمناقشة الأبعاد الخارجية للأمن القومي المصري. وقد ناقشت الجلسة الرابعة دائرة المصالح المصرية مع دول الجوار والدائرة العربية والإقليمية. وقد بدأ الأستاذ الدكتور/ حسن أبو طالب ليحدثنا عن دائرة المصالح المصرية مع دول الجوار، حيث أبدي مجموعة من الملاحظات المهمة والتي تتمثل في: أن أي سياسة قومية أمنية لأي بلد من البلدان تُمارس بناء على تجربة تاريخية لهذه البلد، وأن مسألة تقييم نجاح أو فشل أي جهد تقوم به المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية لا يرتبط بواقعة معينة ولكن بمرحلة تاريخية لها ظروفها الخاصة، حيث توجد علاقة عضوية بين الأوضاع الداخلية للبلد وقدرتها على التحرك الخارجي. وهنا فرَّق بين نوعين من الأمن؛ الأمن الصلب Hard Security والأمن المرن Soft Security حيث إن الأمن الصلب هو الأمن المتعلق بأمن الحدود والجغرافيا والقدرة على منع العدوان والحفاظ على السيادة. أما الأمن المرن فيتعلق بقدرة المجتمع على التماسك وعدم تسرب مجموعة من القيم والسياسات والتدخلات التي تؤدي إلى حالات التفكك. وهنا أشار إلى تعريف الأمن القومي وفقا لمفهوم الرئيس 'محمد حسني مبارك' في خطابه في الثالث من شهر ديسمبر العام الماضي في نهاية أعمال مؤتمر الحزب الوطني حيث قال' إن أمن مصر القومي جزء لا يتجزأ من أمن منطقة الخليج والبحر الأحمر والمتوسط والشرق الأوسط وهو في كل أبعاده وجوانبه يمثل أولوية قصوى وخطا أحمر لا أسمح لأحد أبداً أن يتجاوزه'.
في حين تناول الأستاذ الدكتور/ محمد السعيد إدريس الدائرة العربية والإقليمية للأمن القومي المصري. فقد فرَّق بين أربع دوائر للأمن (أمن وطني-أمن قومي-أمن إقليمي-وأخيراً امن عالمي)، وهنا أوضح انه تم تجاوز الأمن الوطني في المرحلة الراهنة وتداخله مع الأمن القومي.وأوضح أن هناك خيارين أمام مصر لتحقيق أمنها الإقليمي هما إما نسج علاقات تحالف وصداقة مع كل من إيران وتركيا وهذا يعتبر مثلثا للنهضة وبناء امة. أما الخيار الآخر، فيقوم على نسج علاقات تحالف وصداقة مع كل من إسرائيل وتركيا الغربية، وهذا يعتبر مثلثا للخضوع والتبعية. كما أكد استحالة نجاح أي مشروع عربي في العراق في ظل غياب الدور المصري. كما أشار إلى سرقة الكابلات المغذية لشبكات المنطقة الرخوة أمام السد العالي وهي منطقة رخوة وتخوف من إمكانية وضع مواد تفجيرية في هذه المنطقة وإمكانية تفجير السد العالي وبالتالي فإن الأمن القومي المصري في خطر.
أما الجلسة الخامسة فقد ناقشت دائرة المصالح الأوروبية والدائرة الإفريقية ودورهما في الأمن القومي المصري، وهنا شارك السفير/ جمال بيومي متحدثا عن دائرة المصالح الأوروبية. حيث أكد ضرورة الاستفادة من العلاقات الأوروبية في تحقيق الأمن القومي المصري. كما حدثنا عن القضايا المثارة بين مصر والدول الأوروبية فحددها في الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ موضحا وجود سياسة المعايير المزدوجة، وحق الانتقال والهجرة الشرعية وغير الشرعية؛ حيث أكد ضرورة احترام الهجرة الشرعية حيث مازالت توجد قيود على انتقال العرب والمسلمين. ومن القضايا المثارة هنا هي كيفية توصيف منظمات المقاومة، هل هي حركات تحرير أم منظمات إرهابية؟!، ثم قضية التعاون الإقليمي مع أوروبا، وحوار الحضارات والأديان، وأخيراً سياسة الحوار حيث أكد ضرورة استعادة الحوار العربي-الأوروبي.
أما الأستاذ الدكتور/ إبراهيم نصر الدين فقد حدثنا عن الدائرة الإفريقية في الأمن القومي المصري. وهنا فضَّل استخدام مصطلح مصلحة بدلاً من الأمن حيث توجد مصالح دفاعية، ومصالح اقتصادية، وتعزيز القيم الوطنية، وتوجد مصالح النظام العالمي. وفي إطار حديثه عن المصالح المصرية في الدائرة الإفريقية تحدَّث عن عدة نقاط مثل القضايا التي كانت مطروحة في ظل الفترة الناصرية ولخصَّها في قضايا التحرر الوطني والاستقلال وتصفية الاستعمار وإدارة العلاقات الاقتصادية مع الدول الإفريقية من خلال القطاع العام. أما النقطة الثانية فتتمثل في السياسات الداخلية المحلية في مصر مثل الاتجاه نحو بيع القطاع العام والخصخصة وبالتالي فقد الأداة التي يتم بها إدارة العلاقات الاقتصادية مع القارة الإفريقية. وهنا أشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والدول الإفريقية العام الماضي وصل إلى 500 مليون دولار، منها 480 مليون دولار بين مصر والسودان ومصر وليبيا.
أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بمصالح مصر في إفريقيا فيما يتعلق بالطاقة وأشار إلى شلالات نهر الكونغو التي أُجريت دراسات حولها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حيث إنها تستطيع إنتاج كهرباء تكفي القارة السمراء والشرق الأوسط وأوروبا وتكلفة ذلك 35 مليون دولار ولكن تم التوقف بحجة صعوبة سير الخطوط في غابات فضلاً عن الحروب الأهلية. أما النقطة الأخيرة والأهم، فهي قضية المياه؛ حيث أكد عدم قدرة إثيوبيا على التأثير على المياه الواصلة إلينا حيث عمق المنابع واعتماد الزراعة هناك على مياه النهر فضلاً عن عدم وجود قدرة على تخزين المياه. وفيما يتعلق بالسودان فأوضح أن الجنوب يسير به النيل الأبيض في حين أن النيل الأزرق يمدنا بـ 82% من المياه وأشار إلى مشروعي جونجلي (1) وجونجلي (2) لتجفيف المياه في الجنوب حيث غرقه في المستنقعات. كما بين أن السودان معرض لعدة سيناريوهات كلها تؤدي إلى عدم الاستقرار في السودان ولذلك يجب الحفاظ على استقرار ووحدة السودان.
وأخيراً ناقشت الجلسة السادسة والأخيرة دائرة الأخطار والتهديدات الدولية وبناء مفهوم استراتيجي جديد للأمن القومي.
وقد شارك الأستاذ الدكتور/ مصطفى علوي ليحدَّثنا عن دائرة الأخطار الدولية وأكد تواري التهديدات الصلبة إلى حد كبير بالنسبة لمصر، في حين لم تتوار التهديدات الناعمة واهم مصادر هذه التهديدات متصلة بقضايا مثل أمن الطاقة، وأمن المياه وأمن الغذاء. وقد ارجع الارتفاع الهائل في أسعار الطاقة إلى عدة أسباب مثل وجود مستهلكين جدد للطاقة وارتفاع معدل حاجاتهم للاستهلاك. وأشار هنا إلى الصين كأكبر مستهلك للطاقة، ثم حرب العراق والسياسة الأمريكية الخاطئة في العراق، بجانب أزمة العقارات في الولايات المتحدة التي أدت إلى التفات المستثمرين في هذا المجال إلى الاستثمار في سلعة النفط وطول اجل عقود الشراء التي وصلت إلى حد ستة أشهر وعام، ثم ظهور ما يُسمى بالوقود الحيوي المستخرج من الذرة -البديل للقمح- والسكر وبالتالي ظهور قرارات وطنية لتخفيض المعروض منهما مما أدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث أزمة الخبز. وذلك يتطلب: قرارا جديدا وتوجها استراتيجيا لزيادة مساحة الأراضي المخصصة لزراعة القمح لتصل إلى 4.5 مليون فدان على الأقل، بجانب تطوير سياسات الدعم الغذائي، وتحسين سياسات إدارة إنتاج وتوزيع الخبز. وأكد ضرورة حدوث ثورة علمية حقيقية في مجال الزراعة، وأخيراً زيادة جهود استصلاح الأراضي بالتطور العلمي والتكنولوجي.